في أعماق قصر (تشانغآن) الإمبراطوري في الصين ، يقف سفير الدولة الأموية "هبيرة بن المشمرج" ، مرتديًا ثيابًا عربية متواضعة هو ومرافقوه ، يقف أمامه حكماء أهل الصين والأمراء والنبلاء والوزراء ، وإمبراطور الصين متربع على عرشه بكل ما يمثله من قوة وسلطة ، فهو الذي تدين له ممالك الصين السبع بأسرها.
كان "هبيرة بن المشمرج" مبعوثًا من الأمير "قتيبة بن مسلم الباهلي" ، قائد جيوش الخلافة الأموية ، الذي وقف قبل أيام على حدود دولة الصين بعد أن أتم فتح بلدان ما وراء النهر ، وأقسم ألا ينصرف عن الصين حتى يطأ ترابها ويختم ملوكها ويأخذ جزيتها.
ثار الإمبراطور بصوت يشبه صوت الرعد في الجبال ، بكلام نقله ترجمانه إلى العربية : (يقول لكم الإمبراطور العظيم : انصرفوا إلى صاحبكم فقولوا له : ينصرف ، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه ، وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه).
عندها وقف "هبيرة بن المشمرج" في شموخ ، لم يلتفت إلى تهديد إمبراطور الصين ، ولم يعبأ بطغيانه وجبروته ، وقال له : (كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون؟ وكيف يكون حريصًا من خلف الدنيا قادرًا عليها وغزاك؟ وأما تخويفك إيانا بالقـ ـتل فإن لنا آجالًا إذا حضرت فأكرمها القـ ـتل ، فلسنا نكرهه ولا نخافه).
أعادت هذه المقالة ملك الصين إلى صوابه ، وأيقن أنه أمام قوم لا يجدي معهم التهديد ولا الوعيد ، وتذكر مصير كسرى الفرس وإمبراطوريته.
تذكر حين استقبل في نفس المكان سفراء "كسرى" قبل سنوات وهم يحملون رسالة "كسرى" تطالبه بالمدد والنجدة والتحالف ضد المسلمين ، فكان رده حينها: (يا كسرى ، لا قوة لي بقوم لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها).
فأعتدل الإمبراطور وقال لـ "هبيرة" : (فما الذي يرضي صاحبكم؟!).
فقال سفير المسلمين : إن أميره "قتيبة بن مسلم" قد حلف ألا ينصرف عن بلادكم حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويأخذ الجزية).
عندها أقر إمبراطور الصين بدفع الجزية ، وقال : (فإنا نخرجه من يمينه ، نبعث إليه بتراب من أرضنا فيطؤه ، ونبعث ببعض أبناء ملوكنا ليختموا ختم الأسر دليلاً على الولاء والطاعة).
فدعا بصحائف من ذهب فيها تراب ، وبعث بحرير وذهب ، وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم ليختموا بختم الأسر دليل الخضوع والإذعان.
قبل أسد باهلة وضرغام المسلمين "قتيبة بن مسلم" الجزية ووطئ التراب وختم الغلمان وردهم ، وسط أنفاس البهجة والفخر في صفوف المسلمين.
منقول
صافيناز زادة
تعليقات
إرسال تعليق